(.... يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ...) (الزمر:5)
د. زغلول النجار
جاءت هذه الآية الكريمة في مقدمات سورة الزمر, والتي سميت بهذا الاسم لحديثها عن زمر المتقين, السعداء, المكرمين من أهل الجنة, وزمر العصاة, الأشقياء المهانين من أهل النار, وحال كل منهم في يوم الحساب.
و سورة الزمر مكية ـ شأنها شأن كل السور المكية التي يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة ـ ولذلك فهي تركز علي عقيدة التوحيد الخالص لله, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
واستهلت السورة بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله ربنا( تبارك وتعالي) بالحق علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هداية للناس كافة, وإنذارا من رب العالمين, وجعله معجزة خالدة إلي يوم الدين, وملأه بالأنوار الإلهية, والإشراقات النورانية, التي منها الأمر إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وإلي الناس كافة( بالتبعية لهذا النبي الخاتم والرسول الخاتم) بإخلاص الدين لله, وتنزيهه( جل في علاه) عن الشبيه والشريك والولد...!!!
وذكرت السورة عددا هائلا من الأدلة المادية الملموسة التي تشهد للخالق سبحانه وتعالي بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وبإحكام الخلق, وبالتالي تشهد له( سبحانه) بالألوهية, والربوبية, والوحدانية, والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله, ومن هذه الأدلة المادية: خلق السماوات والأرض بالحق, وخلق كل شيء حسب مايشاء( سبحانه), تكوير الأرض وتبادل الليل والنهار عليها, وتسخير كل من الشمس والقمر( وتسخير كل أجرام السماء), خلق البشر كلهم من نفس واحدة, وخلق زوجها منها( وكذلك الزوجية في كل خلق), إنزال ثمانية أزواج من الأنعام, مراحل الجنين التي يمر بها الإنسان وخلقه في ظلمات ثلاث, إنزال الماء من السماء وخزن بعضه في صخور الأرض, إخراج الزرع ودورة حياته, حتمية الموت علي كل مخلوق, تكافؤ النوم مع الوفاة, وقبض الأرض, وطي السماوات يوم القيامة...!!!
وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن الإيمان الذي يرتضيه ربنا( تبارك وتعالي) من عباده, والكفر الذي لا يرضاه, وعن علم الله( تعالي) بكل مافي الصدور, وقدرته (جل جلاله) علي محاسبة كل مخلوق بعمله, وتحدثت السورة عن طبائع النفس البشرية في السراء والضراء, وعن الفروق بين كل من الإيمان والكفر, والكافر والمؤمن في مواقفهما في الدنيا والآخرة, وبين الإغراق في المعاصي والإخلاص في العبادة, وبين كل من التوحيد والشرك, وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون, وعن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها...!!!
كما تحدثت السورة الكريمة عن نفختي الصعق والبعث, ومايعقبهما من أحداث مروعة, وعن يوم الحشر حين يساق المتقون إلي الجنة زمرا, ويساق المجرمون إلي جهنم زمرا كذلك, ولكن شتان بين سوق التكريم, وسوق الإهانة والإذلال والتجريم, ويتم ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء, والملائكة حافين من حول العرش, والوجود كله خاضع لربه, متجه إليه بالحمد والثناء, راج رحمته, مشفق من عذابه, راض بحكمه, حامد لقضائه...!!!
ومن الأدلة المادية المطروحة للاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية علي الخلق, وبالتالي علي الشهادة له (سبحانه) بالألوهية والربوبية قوله( تعالي):
"خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5)
وهي آية جامعة, تحتاج في شرحها إلي مجلدات, ولذا فسوف أقتصر هنا علي الإشارة إلي كروية الأرض وإلي دورانها من قبل ألف وأربعمائة سنة, في زمن ساد فيه الاعتقاد بالاستواء التام للأرض بلا أدني انحناء, وبثباتها, وتمت الإشارة إلي تلك الحقيقة الأرضية بأسلوب لا يفزع العقلية البدوية في زمن تنزل الوحي, فجاء التكوير صفة لكل من الليل والنهار, وكلاهما من الفترات الزمنية التي تعتري الأرض, فإذا تكورا كان في ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض, وإذا تكور أحدهما علي الآخر كان في ذلك إشارة إلي تبادلهما, وهي إشارة ضمنية رائعة إلي دوران الأرض حول محورها, دون أن تثير بلبلة في زمن لم تكن للمجتمعات الإنسانية بصفة عامة والمجتمعات في جزيرة العرب بصفة خاصة أي حظ من الثقافة العلمية, وسوف نفصل ذلك في السطور القادمة إن شاء الله( تعالي) بعد شرح دلالة الفعل( كور) في اللغة العربية, واستعراض شروح المفسرين لدلالات تلك الآية الكريمة.
الدلالة اللغوية: صورة للأرض من الفضاء يقال في اللغة العربية كار) الشيء( يكوره)( كورا) و( كرورا), و( يكوره)( تكويرا) أي أداره, وضم بعضه إلي بعض,( ككور) العمامة, أو جعله كالكرة, ويقال طمنه فكوره) إذا ألقاه مجتمعا, كما يقال( اكتار) الفرس إذا أدار ذنبه في عدوه, وقيل للإبل الكثيرة( كور), و( كوارة) النحل معروفة, و( الكور) الرحل, وقيل لكل مصر( كورة) وهي البقعة التي يجتمع فيها قري ومحال عديدة, و( الكرة) التي تضرب بالصولجان, وتجمع علي( كرين) بضم الكاف وكسرها, كما تجمع علي كرات.وجاء الفعل المضارع( يكور) في القرآن الكريم كله مرتين فقط في الآية الكريمة التي نحن بصددها, وجاء بصيغة المبني للمجهول مرة واحدة في قول الحق( تبارك وتعالي):
" إذا الشمس كورت " ( التكوير:1)
أي جعلت كالكرة بانسحاب ألسنة اللهب المندفعة منها إلي آلاف الكيلو مترات خارجها, إلي داخلها كناية عن بدء انطفاء جذوتها.
شروح المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
" خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار " ( الزمر:5)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يخبر تعالي أنه الخالق لما في السماوات والأرض, ومابين ذلك من الأشياء, وبأنه مالك الملك, المتصرف فيه, يقلب ليله ونهاره (يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل) أي سخرهما يجريان متعاقبين, ولا يفترقان, كل منهما يطلب الآخر طلبا....
ويضيف: وقوله عز وجل:" وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي " أي إلي مدة معلومة عند الله تعالي, ثم ينقضي يوم القيامة," ألا هو العزيز الغفار " أي مع عزته وعظمته وكبريائه, هو غفار لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) مانصه خلق السماوات والأرض بالحق) ولحكمة, لا عبثا باطلا, متعلق بـ خلق.
( يكور) أي يدخل - الليل علي النهار- فيزيد( ويكور النهار) يدخله - علي الليل - فيزيد.
وجاء في الهامش التعليق التالي من أحد المحققين: قوله تعالي:" يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل " ما ذكره المؤلف الجلال المحلي في معني التكوير هو معني الإيلاج الوارد في مثل قوله تعالي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل), وهذا تفسير غير موافق لمعني اللغة, لأن التكوير والإيلاج ليسا بمعني واحد, وإلا فما معني قوله تعالي إذا الشمس كورت)؟ قال:في القاموس: التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه علي بعض, ومنه كور العمامة, فيكون معني الآية: ان الله تعالي سخر الليل والنهار يتعاقبان, يذهب أحدهما فيعقبه الآخر الي يوم القيامة, وفي الآية إشارة واضحة إلي أن الأرض لاتخلو من ليل في مكان ونهار في آخر, علي مدار الساعة.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه:
(خلق السماوات والأرض).. وأنزل الكتاب بالحق.. فهو الحق الواحد في ذلك الكون وفي هذا الكتاب.. وكلاهما صادر من مصدر واحد, وكلاهما آية علي وحدة المبدع العزيز الحكيم,( يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل).. وهو تعبير عجيب يقسرالناظر فيه قسرا علي الالتفات الي ما كشف حديثا عن كروية الأرض, ومع أنني في هذه الظلال حريص علي ألا أحمل القرآن علي النظريات التي يكشفها الإنسان, لأنها نظريات تخطيء وتصيب, وتثبت اليوم وتبطل غدا, والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته, ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل!
مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرا علي النظر في موضوع كروية الأرض, فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة علي وجه الأرض, فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس, فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارا, ولكن هذا الجزء لايثبت لأن الأرض تدور, وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار, وهذا السطح مكور, فالنهار كان عليه مكورا, والليل يتبعه مكورا كذلك, وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخري يتكور علي الليل, وهكذا في حركة دائبة( يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل).. واللفظ يرسم الشكل, ويحدد الوضع, ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها, وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أي تفسير آخر..
وذكر صاحب صفوة البيان( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه يكور الليل علي النهار) تكوير الشيء إدارته, وضم بعضه إلي بعض ككور العمامة, أي أن هذا يكر علي هذا, وهذا يكر علي هذا كرورا متتابعا كتتابع أكوار العمامة بعضها علي إثر بعض, إلا أن أكوار العمامة مجتمعة, وفيما نحن فيه متعاورة.. وقيل المعني: يزيد الليل علي النهار ويضمه إليه, بأن يجعل بعض أجزاء الليل نهارا, فيطول النهار عن الليل, ويزيد النهار عن الليل ويضمه إليه بأن يجعل بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل عن النهار, وهو كقوله تعالي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل).
د. زغلول النجار
جاءت هذه الآية الكريمة في مقدمات سورة الزمر, والتي سميت بهذا الاسم لحديثها عن زمر المتقين, السعداء, المكرمين من أهل الجنة, وزمر العصاة, الأشقياء المهانين من أهل النار, وحال كل منهم في يوم الحساب.
و سورة الزمر مكية ـ شأنها شأن كل السور المكية التي يدور محورها الرئيسي حول قضية العقيدة ـ ولذلك فهي تركز علي عقيدة التوحيد الخالص لله, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع.
واستهلت السورة بالحديث عن القرآن الكريم الذي أنزله ربنا( تبارك وتعالي) بالحق علي خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) هداية للناس كافة, وإنذارا من رب العالمين, وجعله معجزة خالدة إلي يوم الدين, وملأه بالأنوار الإلهية, والإشراقات النورانية, التي منها الأمر إلي رسول الله( صلي الله عليه وسلم) وإلي الناس كافة( بالتبعية لهذا النبي الخاتم والرسول الخاتم) بإخلاص الدين لله, وتنزيهه( جل في علاه) عن الشبيه والشريك والولد...!!!
وذكرت السورة عددا هائلا من الأدلة المادية الملموسة التي تشهد للخالق سبحانه وتعالي بطلاقة القدرة, وببديع الصنعة, وبإحكام الخلق, وبالتالي تشهد له( سبحانه) بالألوهية, والربوبية, والوحدانية, والتنزيه عن كل وصف لا يليق بجلاله, ومن هذه الأدلة المادية: خلق السماوات والأرض بالحق, وخلق كل شيء حسب مايشاء( سبحانه), تكوير الأرض وتبادل الليل والنهار عليها, وتسخير كل من الشمس والقمر( وتسخير كل أجرام السماء), خلق البشر كلهم من نفس واحدة, وخلق زوجها منها( وكذلك الزوجية في كل خلق), إنزال ثمانية أزواج من الأنعام, مراحل الجنين التي يمر بها الإنسان وخلقه في ظلمات ثلاث, إنزال الماء من السماء وخزن بعضه في صخور الأرض, إخراج الزرع ودورة حياته, حتمية الموت علي كل مخلوق, تكافؤ النوم مع الوفاة, وقبض الأرض, وطي السماوات يوم القيامة...!!!
وتحدثت السورة الكريمة كذلك عن الإيمان الذي يرتضيه ربنا( تبارك وتعالي) من عباده, والكفر الذي لا يرضاه, وعن علم الله( تعالي) بكل مافي الصدور, وقدرته (جل جلاله) علي محاسبة كل مخلوق بعمله, وتحدثت السورة عن طبائع النفس البشرية في السراء والضراء, وعن الفروق بين كل من الإيمان والكفر, والكافر والمؤمن في مواقفهما في الدنيا والآخرة, وبين الإغراق في المعاصي والإخلاص في العبادة, وبين كل من التوحيد والشرك, وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون, وعن العديد من مشاهد القيامة وأهوالها...!!!
كما تحدثت السورة الكريمة عن نفختي الصعق والبعث, ومايعقبهما من أحداث مروعة, وعن يوم الحشر حين يساق المتقون إلي الجنة زمرا, ويساق المجرمون إلي جهنم زمرا كذلك, ولكن شتان بين سوق التكريم, وسوق الإهانة والإذلال والتجريم, ويتم ذلك كله في حضرة الأنبياء والشهداء, والملائكة حافين من حول العرش, والوجود كله خاضع لربه, متجه إليه بالحمد والثناء, راج رحمته, مشفق من عذابه, راض بحكمه, حامد لقضائه...!!!
ومن الأدلة المادية المطروحة للاستدلال علي طلاقة القدرة الإلهية علي الخلق, وبالتالي علي الشهادة له (سبحانه) بالألوهية والربوبية قوله( تعالي):
"خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (الزمر:5)
وهي آية جامعة, تحتاج في شرحها إلي مجلدات, ولذا فسوف أقتصر هنا علي الإشارة إلي كروية الأرض وإلي دورانها من قبل ألف وأربعمائة سنة, في زمن ساد فيه الاعتقاد بالاستواء التام للأرض بلا أدني انحناء, وبثباتها, وتمت الإشارة إلي تلك الحقيقة الأرضية بأسلوب لا يفزع العقلية البدوية في زمن تنزل الوحي, فجاء التكوير صفة لكل من الليل والنهار, وكلاهما من الفترات الزمنية التي تعتري الأرض, فإذا تكورا كان في ذلك إشارة ضمنية رقيقة إلي كروية الأرض, وإذا تكور أحدهما علي الآخر كان في ذلك إشارة إلي تبادلهما, وهي إشارة ضمنية رائعة إلي دوران الأرض حول محورها, دون أن تثير بلبلة في زمن لم تكن للمجتمعات الإنسانية بصفة عامة والمجتمعات في جزيرة العرب بصفة خاصة أي حظ من الثقافة العلمية, وسوف نفصل ذلك في السطور القادمة إن شاء الله( تعالي) بعد شرح دلالة الفعل( كور) في اللغة العربية, واستعراض شروح المفسرين لدلالات تلك الآية الكريمة.
الدلالة اللغوية: صورة للأرض من الفضاء يقال في اللغة العربية كار) الشيء( يكوره)( كورا) و( كرورا), و( يكوره)( تكويرا) أي أداره, وضم بعضه إلي بعض,( ككور) العمامة, أو جعله كالكرة, ويقال طمنه فكوره) إذا ألقاه مجتمعا, كما يقال( اكتار) الفرس إذا أدار ذنبه في عدوه, وقيل للإبل الكثيرة( كور), و( كوارة) النحل معروفة, و( الكور) الرحل, وقيل لكل مصر( كورة) وهي البقعة التي يجتمع فيها قري ومحال عديدة, و( الكرة) التي تضرب بالصولجان, وتجمع علي( كرين) بضم الكاف وكسرها, كما تجمع علي كرات.وجاء الفعل المضارع( يكور) في القرآن الكريم كله مرتين فقط في الآية الكريمة التي نحن بصددها, وجاء بصيغة المبني للمجهول مرة واحدة في قول الحق( تبارك وتعالي):
" إذا الشمس كورت " ( التكوير:1)
أي جعلت كالكرة بانسحاب ألسنة اللهب المندفعة منها إلي آلاف الكيلو مترات خارجها, إلي داخلها كناية عن بدء انطفاء جذوتها.
شروح المفسرين
في تفسير قوله تعالي:
" خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار " ( الزمر:5)
ذكر ابن كثير( يرحمه الله) مانصه: يخبر تعالي أنه الخالق لما في السماوات والأرض, ومابين ذلك من الأشياء, وبأنه مالك الملك, المتصرف فيه, يقلب ليله ونهاره (يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل) أي سخرهما يجريان متعاقبين, ولا يفترقان, كل منهما يطلب الآخر طلبا....
ويضيف: وقوله عز وجل:" وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي " أي إلي مدة معلومة عند الله تعالي, ثم ينقضي يوم القيامة," ألا هو العزيز الغفار " أي مع عزته وعظمته وكبريائه, هو غفار لمن عصاه ثم تاب وأناب إليه.
وذكر صاحبا تفسير الجلالين( رحمهما الله) مانصه خلق السماوات والأرض بالحق) ولحكمة, لا عبثا باطلا, متعلق بـ خلق.
( يكور) أي يدخل - الليل علي النهار- فيزيد( ويكور النهار) يدخله - علي الليل - فيزيد.
وجاء في الهامش التعليق التالي من أحد المحققين: قوله تعالي:" يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل " ما ذكره المؤلف الجلال المحلي في معني التكوير هو معني الإيلاج الوارد في مثل قوله تعالي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل), وهذا تفسير غير موافق لمعني اللغة, لأن التكوير والإيلاج ليسا بمعني واحد, وإلا فما معني قوله تعالي إذا الشمس كورت)؟ قال:في القاموس: التكوير في اللغة طرح الشيء بعضه علي بعض, ومنه كور العمامة, فيكون معني الآية: ان الله تعالي سخر الليل والنهار يتعاقبان, يذهب أحدهما فيعقبه الآخر الي يوم القيامة, وفي الآية إشارة واضحة إلي أن الأرض لاتخلو من ليل في مكان ونهار في آخر, علي مدار الساعة.
وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه:
(خلق السماوات والأرض).. وأنزل الكتاب بالحق.. فهو الحق الواحد في ذلك الكون وفي هذا الكتاب.. وكلاهما صادر من مصدر واحد, وكلاهما آية علي وحدة المبدع العزيز الحكيم,( يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل).. وهو تعبير عجيب يقسرالناظر فيه قسرا علي الالتفات الي ما كشف حديثا عن كروية الأرض, ومع أنني في هذه الظلال حريص علي ألا أحمل القرآن علي النظريات التي يكشفها الإنسان, لأنها نظريات تخطيء وتصيب, وتثبت اليوم وتبطل غدا, والقرآن حق ثابت يحمل آية صدقه في ذاته, ولا يستمدها من موافقة أو مخالفة لما يكشفه البشر الضعاف المهازيل!
مع هذا الحرص فإن هذا التعبير يقسرني قسرا علي النظر في موضوع كروية الأرض, فهو يصور حقيقة مادية ملحوظة علي وجه الأرض, فالأرض الكروية تدور حول نفسها في مواجهة الشمس, فالجزء الذي يواجه الشمس من سطحها المكور يغمره الضوء ويكون نهارا, ولكن هذا الجزء لايثبت لأن الأرض تدور, وكلما تحركت بدأ الليل يغمر السطح الذي كان عليه النهار, وهذا السطح مكور, فالنهار كان عليه مكورا, والليل يتبعه مكورا كذلك, وبعد فترة يبدأ النهار من الناحية الأخري يتكور علي الليل, وهكذا في حركة دائبة( يكور الليل علي النهار ويكور النهار علي الليل).. واللفظ يرسم الشكل, ويحدد الوضع, ويعين نوع طبيعة الأرض وحركتها, وكروية الأرض ودورانها يفسران هذا التعبير تفسيرا أدق من أي تفسير آخر..
وذكر صاحب صفوة البيان( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه يكور الليل علي النهار) تكوير الشيء إدارته, وضم بعضه إلي بعض ككور العمامة, أي أن هذا يكر علي هذا, وهذا يكر علي هذا كرورا متتابعا كتتابع أكوار العمامة بعضها علي إثر بعض, إلا أن أكوار العمامة مجتمعة, وفيما نحن فيه متعاورة.. وقيل المعني: يزيد الليل علي النهار ويضمه إليه, بأن يجعل بعض أجزاء الليل نهارا, فيطول النهار عن الليل, ويزيد النهار عن الليل ويضمه إليه بأن يجعل بعض أجزاء النهار ليلا فيطول الليل عن النهار, وهو كقوله تعالي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل).
عدل سابقا من قبل في 09.09.07 1:37 عدل 1 مرات